الفراغ نقصان في حياة الانسان
رُوي عن سيّدنا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه قال: ''إنّي لأرى الرجل فيعجبني، فإذا سألت عنه فقيل لا حرفة له، سقط من عيني''، وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه أيضًا:''إنّي لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً (أي فارغًا) لا في عمل دنيا، ولا في عمل الآخرة''.
الوقت هو أثمن ما يملك الإنسان؛ فهو رأس المال الحقيقي، وهو حياة الإنسان من ساعة الميلاد إلى ساعة الوفاة، والواجب على الإنسان العاقل أن يحافظ على أوقاته، فهي خزائن أعماله، ويوظّفها فيما يعود عليه وعلى المجتمع بالنّفع، ولكن مع الأسف أنّ كثيرًا من أبناء المسلمين رجالا ونساء، شبابًا وفتيات قد ابتلوا بضياع الأوقات، وأوقات الفراغ قاتلة.
والفراغ داء قاتل للفكر والعقل والطّاقات الجسمية، إذ النّفس لابدّ لها من حركة وعمل، فإذا كانت فارغة من ذلك تبلّد الفكر وثخُن العقل وضعفت حركة النّفس واستولت الوساوس والأفكار الرديئة على القلب وربّما تنامت بداخله إرادات سيّئة شريرة ينفّس بها عن هذا الكبت الّذي أصابه من الفراغ.
وقد نبّه سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى غفلة الألوف من النّاس عمّا وهبوا من نعمة العافية والوقت، فقال عليه الصّلاة والسّلام: ''نعمتان من نعم الله مغبون فيها كثير من النّاس: الصِّحّة والفراغ'' رواه البخاري. ويقصد بالفراغ: الخُلو من المشاغل والمعيقات الدنيوية المانعة للمرء من حيث الاشتغال بالأمور الأخروية.
وكان السّلف الصّالح يكرهون من الرجل أن يكون فارغًا، قال سيّدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ''إنّي لأبغض الرجل أن أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا عمل الآخرة''، وقيل: ''الفراغ للرجل غفلة وللنّساء غلمة'' أي: محرك للغريزة. وقال حكيم: ''من أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أدّاه، أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسّسه أو علم اقتبسه، فقد عقّ يومه وظلم نفسه''.
ولقد قطع الله تعالى المعذرة لأهل الفراغ بقوله: {وَجَعَلْنَا اللّيْلَ وَالنّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن ربّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلّ شَيْءٍ فَصّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} الإسراء: 12، فأتاح لهم التكسب من نعم الله وفضله والنّظر في مخلوقاته والتفكّر فيها واسترجاع طاقات العقل بما ينفع من أمور الدنيا والآخرة.
فالفراغ داء قاتل إذا لم يمضه صاحبه فيما ينفع، وإذا أراد الله سبحانه بالعبد خيرًا أعانه بالوقت وجعل وقته مساعدًا له، وإذا أراد شرًّا جعل وقته عليه، وعانده وقته حتّى يفقد وظيفته في هذه الحياة.
وما فشَت المنكرات وازدادت حدّة العصيان وانتشار الجرائم إلاّ بازدياد نسبة الفراغ، وذلك لأنّه يفتح على المجرمين أبوابًا عديدة على رأس كلّ باب شيطان يدعوه إلى الرذيلة، فعند ذلك هل يتحكّم الشّخص بعقله أمام هذه الأبواب فيُربي فراغه على التّحصيل والاستفادة أم ينفذ من أحد هذه الأبواب؟!
والإنسان مأمور باغتنام أوقات فراغه، حتّى ولو لم تكن مناسبة للاغتنام، لأنّ الأماني والأحلام لا تصنع حاضرًا ولا تبني مستقبلاً. يقول الإمام الحسن البصري رضي الله عنه: ''ما من يوم ينشق فجره إلاّ وينادي: يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوّد منّي، فإنّي إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة''.