(عندما يعتدلُ الميزان بصروف الأقدار )
( من مفكرة خبير قضائى )
هكذا الحياةُ , تنثر عبر دروبها العبرُ , وتُجيبُ عن التساؤلاتِ بأعظم الإجاباتِ , لمن كان له قلب , أو ألقى السمع وهو شاهد وشهيد , !
كانوا ينادونه ( بالمِعَلمِ هجرس الصعيدي) , رجل صعيدي
من أقاصى جنوب مصر , إستوطن مدينة المنصورة فى بواكير شبابه , وعمل ملاحظا لعمال البناء , ثم مقاولا معماريا .
رجلٌ غليظ القلب غليظ الملامح , وهبه الله ثلاث بنات وولد ,
فضجر وتأفف , ونَقِمَّ وتمرد ,
وسارع إلى الزواج بأخرى , فأنجبت له ثلات بنات أخر ,
فإزداد تبرما , ولم تُغنى كثرة الأموال فى سعادته ,
وظل يؤثر إبنه ( سعدا ) ويدلله , حتى غرس فيه أنانية مفرطة , وحب ذاتٍ قاتل , فقد عاش الأب يطمع فى ذرية من الأبناء يحيطون به , ويتقوى بهم ويُفاخر ,
لكن الرياح جاءته بما لايشتهى !
وفى أعمال المقاولات , تدفقت عليه الأموالُ من كل صوبٍ وحدب , فبنى برجا سكنيا بجوار الجامعة , وهيأ طوابقه الثلاثة الأولى , كمحلات تجارية , ومطاعم , وعيادات طبية ,
وقام بتأجير شققه السكنية , بإيجارات خيالية .
وعندما داهمه المرض , سارع بكتابة عقد مسجل لابنه سعد بالبرج السكنى بكامله ,
وبعد أن وافته المنية , وطالبت بناته السبع أخاهم بنصيبهم فى إيراد البرج السكنى , أخرج سعد عقده المسجل ,
فقامت شقيقاته وأخواته برفع دعوى قضائية بصورية العقد المسجل , وإنعدامه لعدم سداد الثمن , ولسوء نية محرره , فى حرمان بناته , وزوجتيه من الميراث
وأحيلت الدعوى القضائية علىّ لبحث مدى صورية العقد ؟!
وكعادتي فى مباشرة قضايا الأرحام حاولت أن أوجههم للتصالح , حفاظا على صلة الأرحام , واستدامة علاقات القرابة , إلا أن ذلك لم يجدي مع سعد شيئا
كان سعد في الثلاثين من عمره , لم يتزوج بعد , مدللا , يحسب الحياة مغامرة لاكتناز ثرواتها ومتعها !
وتعددت جلسات المناقشة , وتقديم المستندات , وقبل تحديد موعدٍ للمعاينة , وبحادث مروع , يصدم سعد بسيارته فى إحدى سيارات النقل الثقيل , ويغادر الحياة , غير مأسوف عليه من أخواته , كما لم يأسفوا على أبيهم من قبله
ويعتدل ميزان الحقوق , لتتشارك البنات فى ملكية البرج وريعه ميراثا فى أخيهم الأنانى , الذى لم يعبأ بدين ولا بشرع , ولا بقرابه , ولا رحم ! كما لم يعبأ أبيه من قبله !
وهكذا كانت تصارف القدر , حكمة ربانية يعتدل بها ميزان الحقوق فى الدنيا قبل الآخرة , ( والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون )
رضا فهيم